نستعرض دور المعايير الدولية لاعداد التقارير المالية في ضبط ممارسات المحاسبة الابداعية كثير من الممارسات المحاسبية التي تعتبر بشكل أو بآخر تطبيقات لمفهوم المحاسبة الإبداعية، ويمكن النظر إليها كوجهي العملة، ليس من السهولة التفريق بين حقيقها وزيفها، فتارة يمكن اتخاذها لتعبر عن بموثوقية عن حقيقة معينة، وتارة يمكن اتخاذها للتلاعب والاحتيال والخداع، والضابط هو الانسان نفسه، ويمكن في هذا المجال إدراج الممارسات التالية باختصار شديد التي تحتمل هذين الوجهين
1- النية || Intention
تزخر المحاسبة باستخدام واسع لمفهوم النية، وبرز الاستخدام المكثف لهذا المفهوم في معايير التقارير المالية الدولية دون وجود أدنى تأطير لهذا المفهوم ، كون النية تعبر عن القصد الخفي المختبئ في النفس البشرية، وبالرغم من استخدام هذا المفهوم المرن الذي لا يمكن الوقوف على حقيقته الظاهرة ، إلا أنه ذو أثر على الأرقام المحاسبية،
ومن أمثلة ذلك تحديد الاستخدام المقصود Intended use والذي يدخل في تحديد التكلفة التي يجب الاعتراف بها مبدئيا لقياس الممتلكات، المنشآت والمعدات، أو الممتلكات المستثمرة ( الاستثمارات العقارية)، أو الأصول غير الملموسة، حيث الاستخدام المقصود نقطة الفصل للتفريق بين رسملة التكاليف واعتبارها مصروفات، كذلك تحديد نقطة الحصاد أو الجني وذلك فيما يتعلق بالأصول البيولوجية، وهذه النقطة تعتبر الحد الفاصل بين التصنيف كأصول بيولوجية أو مخزون، فقبل نقطة الحصاد ولغاية الوصول إليها، يتم التصنيف الأصل كأصل بيولوجي، وبعد هذه النقطة يتم تصنيف الأصل كمخزون، كذلك النية من اقتناء الاستثمارات المالية حيث يتم تحديد أسلوب قياسها والاعتراف بالخسائر أو المكاسب استناداً إلى تصنيف الاستثمارات المالية عند الاقتناء المبدئي، وهناك فئات كثيرة لتصنيف مثل هذه الاستثمارات، بالرغم من توحيد شكلها، فالأصل أن يتم التصنيف حسب الجوهر وليس الشكل استنادا إلى مفهوم الجوهر فوق الشكل .
2- التقدير || Estimation
والتقدير بالرغم من كونه أحد الانتقادات الرئيسة التي توجه إلى المحاسبة، إلا أنه لا بديل للتقدير إلا التقدير ذاته، وهناك أوجه كثيرة يستخدم فيها التقدير في المحاسبة ومن أمثلتها: تقدير العمر النافع والقيمة المتبقية للأصول غير المتداولة القابلة للاهتلاك والأصول غير الملموسة المحددة، لغايات تحديد الاهتلاك أو الإطفاء، تقدير التدفقات النقدية لغايات احتساب القيمة في الاستخدام من أجل تحديد القيمة القابلة للاسترداد لغايات تقدير خسائر الانخفاض، تقدير معدل الخصم اللازم لخصم التدفقات النقدية لغايات احتساب القيمة في الاستخدام من أجل تحديد القيمة القابلة للاسترداد لغايات تقدير خسائر الانخفاض .
3- القيمة العادلة || Fair value
وقد تم تعريف القيمة العادلة بموجب المعيار IFRS 13 بأنها الثمن الذي يمكن استلامه من بيع الأصل أو دفعه لسداد الالتزام بين أطراف مشاركة في السوق بموجب عملية منتظمة في تاريخ القياس، ونجد المغالطات الكثيرة فيما يتعلق بالقيمة العادلة من أكثر من وجه يمكن أن تشكل ممارسات للمحاسبة الابداعية ومن هذه المغالطات : متضمنات تعريف القيمة العادلة: الثمن الذي يمكن استلامه من بيع الأصل: حيث في الواقع لم يتم استلام أي ثمن لأن الأصل لم يتم بيعه ولا يزال في حيازة المنشأة، لذلك الأفيل أن يعدل التعريف بالثمن الذي يتوقع استلامه من بيع الأصل ، أو المبلغ الذي يتم دفعه لسداد الالتزام , وكذلك فإنه لم يتم دفع أي مبلغ لسداد الالتزام كون المنشأة لا تزال تتحمل الالتزام، ومن الأفيل أييا أن يتم تعديل التعريف ليشير إلى المبلغ الذي يتوقع دفعه لسداد الالتزام، الأطراف المشاركة في السوق: ولم يشترط التعريف الرغبة والمعرفة في هذه الأطراف، ويستبعد الغبن والغرر في تحديد السعر، كذلك عدم التقاء الأطراف حقيقة، العملية المنتظمة : ولم تنشأ بعد أي عملية حقيقية، ولكنها افتراضية ، السوق: وتم تحديد أسواق متعددة كالسوق النشط والسوق غير النشط والسوق ذو الميزة الأفضل.
4- البدائل المحاسبية || Accounting alternatives
ولعل البدائل المحاسبية هي من أوضح تطبيقات المحاسب الإبداعية وأكثرها استخداما لتحقيق الموثوقية أو استخدامها كمجال للتلاعب، وتقسم البدائل المحاسبية إلى قسمين رئيسيين:
– بدائل العرض: أي إمكانية عرض المعلومات في القوائم المالية بأكثر من طريقة، ومن أمثلتها: عرض قائمة المركز المالي باستخدام مداخل مختلفة: كمدخل السيولة ، أو مدخل المتداول – غير المتداول، أو مدخل غير المتداول – المتداول، أو مدخل رأس المال العامل،عرض قائمة الأرباح أو الخسائر ضمن بديلين: قائمة الدخل الشامل ذات المرحلة الواحدة، وقائمة الدخل الشامل ذات المرحلتين، عرض قائمة التدفقات النقدية باستخدام الأسلوب المباشر أو الأسلوب غير المباشر
– بدائل المعالجة : وهي معالجة البيانات المحاسبية وفق سياسات محاسبية مختلفة ، ويترتب عليها في الغالب التوصل إلى أرقام مختلفة نتيجة المعالجة ، ومن أمثلة هذه البدائل:قياس المخزون بالتكلفة أو القيمة القابلة للتحقق أيهما اقل ، قياس
المنصرف من المخزون استنادا إلى أسس التسعير المختلفة : كالوارد أولا صادر أولا والمتوسط المرجح والتشخيص العيني (التكلفة الفعلية)، وما يقابلها من أسس لقياس المخزون المتبقي.
5- معيار التقرير المالي الدولي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة :IFRS for SMEs
وهذا المعيار يتضمن ملخصاً لكافة المواضيع التي تطرقت إليها معايير التقارير المالية الدولية ،IFRSs لكن مع بعض الاستثناءات والإعفاءات، إضافة إلى مفاهيم أخرى يراعى فيها العملية وعدم العملية ولعله من أهم المغالطات التي تدور حول هذا المعيار هي الحدود الفاصلة الدقيقة بين اعتبار المنشأة صغيرة ومتوسطة أو كبيرة لغايات تطبيق معيار المنشآت الصغيرة والمتوسطة IFRSs for SMEs أو كافة معايير التقارير المالية الدولية IFRSs فيمكن للمنشأة التلاعب بالتصنيف للاستفادة من المزايا التي يتيمنها المعيار.
6- التصنيف وإعادة التصنيف || Classification & Reclassification
ويعني التصنيف تسكين بند معين على أحد عناصر القوائم المالية حسب نية المنشأة في التعامل معه ، كتصنيف الاستثمارات المالية ضمن التصنيفات المتعددة المتعلقة بها، ويفترض أن يتم هذا التصنيف عند الاعتراف المبدئي، وبرزت هذه المشكلة خلال الأزمة المالية العالمية حيث تركزت على إعادة تصنيف الأدوات المالية من فئة إلى أخرى، ويترافق مع إعادة التصنيف أحيانا كثيرة إعادة لقياس بطريقة مختلفة ، كذلك قد يترافق مع إعادة القياس الاعتراف بالمكاسب والخسائر بطريقة مختلفة عن سابقتها، والمثال الواضح لعملية إعادة التصنيف هو ما تم من عمليات إعادة تصنيف الاستثمارات المتاحة للبيع والاستثمارات المقتناة للمتاجرة إلى الاستثمارات المقتناة لحين الاستحقاق والتي يتم قياسها بالتكلفة المطفأة، وترتب على عملية إعادة التصنيف هذه، اختلاف طريقة القياس، فبينما يتم قياس الاستثمارات المتاحة للبيع والاستثمارات المقتناة للمتاجرة بالقيمة العادلة والاعتراف بالمكاسب والخسائر في الأرباح أو الخسائر في حالة الاستثمارات المقتناة للمتاجرة، والدخل الشامل في حالة الاستثمارات المتاحة للبيع، يتم قياس الاستثمارات المقتناة لحين الاستحقاق بالتكلفة، مما يعني معه تأجيل الاعتراف بالمكاسب والخسائر، وتحسين صورة نتيجة الأعمال التي تنعكس على حقوق الملكية من واقع الأرباح المحتجزة، ويمكن بالتالي اتخاذ عملية إعادة التصنيف مجالا للتلاعب حين تتم العملية وفق نوايا مقصودة خفية
7- التقرير المالي المرحلي || Interim Financial Reporting
ويقصد بالتقرير المالي المرحلي إعداد القوائم المالية والافصاحات المتعلقة بها عن فترة زمنية تقل عن الفترة المالية الاعتيادية، وتكون اما ربع سنوية أو نصف سنوية، ويعتبر الإبلاغ المالي المؤقت موجها لكثير من القرارات وخاصة القرارات الاستثمارية، حيث يمكن توجيه الأرقام المحاسبية لتحقيق أغراض معينة، فمثلا نسبة التداول المعيارية هي 200 %، وقد يتحكم في هذه النسبة لغايات القرارات الائتمانية عن طريق الموازنات لتعكس النسبة المعيارية فقط عند إعداد القوائم المالية المرحلية، أما خلال الفترة المالية المؤقتة أو السنوية فلا يتم المحافظة عليها، ويستنتج من ذلك أنه لا يشترط للتقرير المالي المرحلي أن يعكس الصورة العادلة التي يفترض به أن يعكسها ، ويكون بالتالي مثارا للتلاعب الموجه.
8- القياس المحاسبي || Accounting measurement
ويُعنى القياس المحاسبي بمنح القيمة للأشياء أو خصائصها، وتتعدد أسس القياس التي تحفل بها الأدبيات المحاسبية، والتي يتم على أساسها صياغة الأرقام المحاسبية التي تتضمنها القوائم المالية والتي تتميز بالأهمية النسبية كمعلومات كمية يعبر وفقها عن مخرجات النظام المحاسبي، ويمكن وصف القياس بلعبة الأرقام المحاسبية، حيث أن القياس المجال الأكبر في التلاعب والاحتيال، لأن نتيجة الوجه القاتم السيئ للمحاسبة الإبداعية نراها متحققة في الأرقام المحاسبية ، وحسبنا أن ننظر إلى تركيبة الرقم الممثل لإجمالي الأصول
والذي يتكون من خليط من القيم تتم وفق أسس مختلفة، ليبتعد في النهاية عن توليفة متناغمة يجمعها أنها أرقام فقط دون أن يكون لها مرجعية موحدة للقياس.
9- الاعتراف والتوقف عن الاعتراف || Recognition & Derecognition
ويعني الاعتراف إدراج بند في القوائم المالية توافر فيه الشرطان التاليان :احتمالية تدفق المنافع الاقتصادية المرتبطة بالبند من وإلى المنشأة، إمكانية قياس المنافع الاقتصادية بموثوقية. ويعتري الاعتراف عديد من الإشكاليات للأسباب التالية :عدم إمكانية قياس المنافع الاقتصادية المرتبطة بالبند بموثوقية، وبذلك يختل شرط من شرطي الاعتراف ، ومثال ذلك عدم إمكانية قياس قيمة التقنية عدم وجود أسس قياس معترف بها يمكن على غرارها قياس البند ومنحه قيمة كعدم قياس أثر التيخم على القوائم المالية مما أدى إلى سحب المعيار المحاسبي الدولي رقم 15 المتعلق بالمعلومات التي تعكس آثار تغيرات الأسعار نتيجة لعدم الاتفاق على كيفية قياس هذه التغيرات المرتبطة بالتيخم، عدم جواز الاعتراف ببعض البنود , كون الأعراف المحاسبية لا تجيز هذا الاعتراف كالأصول غير الملموسة المولدة داخليا، بالرغم من أنه قد يتم الاعتراف بمثل هذه الأصول في اليوم التالي إذا انتقلت ملكية المنشأة ، كالشهرة التي لا يمكن الاعتراف بها في يوم معين ، وفي اليوم التالي إذا تم اقتناء المنشأة المرتبطة بالشهرة يتم الاعتراف بها، إنها جدلية حرية بالبحث والتفكير.
10- السوق النشط والسوق غير النشط || Active and non-active market
انتشر مفهوم السوق النشط كثيرا وتم ربطه في معظم الأحيان بالقيمة العادلة، والسوق النشط هو السوق الذي يتميز بشفافية تحديد الأسعار فيه لبعض بنود القوائم المالية وخاصة الأدوات المالية، ويتميز السوق النشط كذلك بحرية دخول وخروج المشترين والبائعين، كذلك توفر المعلومات الكافية عن البنود التي يتم المتاجرة فيها بالسوق، أما السوق غير النشط فهو السوق الذي لا تتوافر فيه هذه الشروط.
وتحقق مفهوم السوق النشط هو من الصعوبة بمكان، كون الأدوات المالية لأي منشأة لا يتم تداولها بالكامل في السوق بسبب الحذر من الوقوع في مصائد التبعية والسيطرة والتأثير الهام، إضافة إلى إدارة الإفصاح عن المعلومات باعتبارها من موارد المنشأة التنافسية وتحقق قيمة ميافة للمنشأة، مما يترتب عليه انتفاء تحقق مفهوم السوق النشط، والوقوع نتيجة ذلك في الغرر والخداع والتلاعب، ولا أدل على ذلك من الانتكاسات التي عانت منها الأسواق المالية العالمية بين الحين والآخر، ومن شأن ذلك أن تكون القيم التي يتم تحديدها بناء على الأسعار المحددة في مثل هذه الأسواق مدعاة للتلاعب فيها.
11- الأطراف ذات العلاقة || Related parties
تعبر الأطراف ذات العلاقة عن الجهات التي يمكن أن تكون لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمنشأة، ويجب الإفصاح عن هذه الأطراف وطبيعة العلاقة معها، ووفق ذلك قد توجد ترتيبات غير معلنة متفق عليها تؤثر على قيم البنود التي يتم الاعتراف بها في القوائم المالية، ومثال ذلك في حالة وجود علاقة سيطرة لمنشأة على منشأة أخرى، فيتطلب ذلك إلغاء العمليات المتبادلة بين الشركة الأم والشركة التابعة كطرفين ذات علاقة عند إعداد القوائم المالية الموحدة، ويترتب على عدم الإلغاء عدم صحة الأرقام الواردة في القوائم المالية الموحدة، إضافة إلى عدم إمكانية الوقوف على العلاقة بين المنشأة وأي طرف يمكن اعتباره ذات علاقة إذا لم تفصح المنشأة عن ذلك.
12- العمليات الوهمية || Nominal transactions
وهي العمليات المالية التي تتحدد على غرارها قيم محاسبية معينة، ولكن لا تعتبر هذه العمليات عمليات تبادلية حقيقية، بل هي عمليات تهدف إلى تحقيق مصالح معينة كأعمال المزاودة غير الحقيقية التي تهدف إلى الإيقاع بصغار المزاودين لعدم العودة ثانية إلى سوق المزاودة، كذلك من هذه العمليات الوهمية شراء المنشأة لأسهمها بما يسمى أسهم الخزينة، وربطها برفع أسعار الأسهم في السوق المالي
13- الاجتهادات الشخصية || Personal judgments
وتتعدد الاجتهادات الشخصية التي يتم ممارستها، فمن اختيار البديل المناسب للسياسة المحاسبية، إلى التقدير وتأثره بالتفاؤل والتشاؤم، وتم إقرار استخدام الاجتهادات الشخصية من قبل مجلس معايير المحاسبة الدولية IASB في الإطار المفاهيمي للإبلاغ المالي، وكان قيد استخدام هذه الاجتهادات هو الوصول إلى موثوقية المعلومات، بحيث أجاز المجلس الخروج عن تطبيق معايير التقارير المالية الدولية IFRSs إذا أدى تطبيقها إلى الوصول إلى معلومات مضللة، وأجاز حينذاك استخدام الاجتهادات الشخصية، ويعتبر هذا خروج سافر عن تطبيق دستور المهنة وهو معايير التقارير المالية الدولية IFRSs , لأن المجلس نص أيضاً في مجال حديثه عن العرض العادل في الإطار المفاهيمي أنه يتحقق بتطبيق معايير التقارير المالية الدولية IFRSs , فكيف يمكن المواءمة بين الأمرين، كما ويعتبر ذلك إقرار واضح لاستخدام الاجتهادات الشخصية بدعوى عدم الوصول إلى معلومات موثوقة ومعتمدة ودقيقة عند تطبيق معايير التقارير المالية الدولية IFRSs